البحث العلمي والتصنيع قاطرة نهوض الأمم

يوم السبت 13 نوفمبر 2021

تحية طيبة

عقدت الجمعية الوطنية لطلبة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين التّونسيّين بالشراكة مع دار الثقافة السليمانية يوم السبت 13 نوفمبر 2021 ندوة علمية ” البحث العلمي والتصنيع قاطرة نهوض الأمم “. للتحسيس بماكنة الدكتور الباحث في النسيج الاجتماعي والاقتصادي الوطني، مع التنبيه إلى مكانة البحث العلمي والتصنيع في مشروع التنمية والتطّوير . وهذه فكرة عن أهم ما عرضه الباحثون في مداخلاتهم و عن الإشكاليات التي أثارها الحضور في النّقاش.

– تقديم فعاليات النّدوة: الدكتورة منال السالمي: دكتورة باحثة في الكيمياء

عبرت الدكتورة منال السّالمي عن أهمية مثل هذه الندوات ودورها في تقييم المنوال التنموي في بلادنا وتطويره. وأكّدت على ضرورة اهتمام سلطة الإشراف بالبحث العلمي وفق مقاربات مدروسة وفاعلة. ثمّ عرّفت بضيوفنا الباحثين والخبراء، والّذين تميزوا بمبادراتهم ونشاطاتهم الفاعلة أكاديميّا ومهنيّا، وهم على التّوالي:

الأستاذ جمال العويديدي : وهو مختص في الاقتصاد والتنمية ومجاز في الاقتصادي الصناعي بجامعة “قرنوبل” بفرنسا، ومتحصّل على الشهادة العليا بالمعهد العالي للدراسات السياسية بـ”قرونوبل” في اختصاص الاقتصاد والمالية، اشتغل موظفا ساميا ببنك للتنمية وكان عضو في اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ورئيس لجنة العلاقات الخارجيّة.

الأستاذة تسنيم قزبار : وهي دكتوره باحثة في علوم التّصرّف، وأستاذة جامعيّة مساعدة بالمعهد الأعلى للمحاسبة وإدارة المؤسسات ومستشارة سابقة لدى وزارة الخارجيّة مكلفة بالدبلوماسية الاقتصادية. وناشطة في المجتمع المدني.

الدّكتور محمد جماعة : دكتور باحث في البيولوجيا، ومختص في علم السرطنيات وله العديد من النشريات العلمية وبراءات الاختراع، خبير في استراتجيات مقاومة الأورام، ومستشار علمي في الاختصاص، اشتغل في عدة مهام في تونس وألمانيا وفرنسا والسويد، وعضو مؤسس في عدة مراكز أكاديميّة، وفاز بعدة جوائز وآخرها جائزة أفضل باحث شاب في العلوم الطبيّة من الأكاديمية الإفريقية للعلوم. وهو كذلك مؤسس شبكة الدّكاترة الباحثين في علوم البيولوجيا.

ثمّ أحالت الدكتورة منال السالمي الكلمة إلى السّادة الباحثين، وهذا ملخّص عن أهمّ محاور المداخلات:

مداخلة الأستاذ جمال العويديدي : مختص في الاقتصاد والتنمية

– قارب الأستاذ جمال العويديدي واقع البحث العلمي في تونس مقارنة بكوريا الجنوبيّة.

– بناء على تقرير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 2018- 2019 هو 233692 ألف طالب بالقطاع العام.

– نظر الباحث في ميزانيّة البحث العلمي مقارنة بميزانية الدولة ووزنها مع الناتج المحلي الخام ، والذي وفرته الدولة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي . وتقدر هذه الميزانيّة بـ” مليار وخمس مليون دينار ” سنة 2019، وهو ما يعادل 4 % من ميزانية الدولة التي قدّرت بـ 40،7 مليار دينار. و 1،4 % من الناتج المحلّي الخام الذي قدّر بـ 105 مليار دينار.

ملاحظة: النظر في نسبة الإنفاق السنوي 2019 من خلال توزيع ميزانية الوزارة على إجمالي عدد الطّلبة ، نجد أنّ حصّة كل طالب هي 7043 دينار لكلّ طالب.

– تصدرت كوريا الجنوبية العالم سنة 2017 في الميزانية المرصودة للبحث العلمي والتطوير ( دون اعتبار ميزانية وزارة التعليم العالي الكورية) بـ4،3 % أي 70 مليار دولار ( ما يقارب ضعف الناتج المحلي في تونس) من إجمالي ميزانية الدولة والذي قدّر بـ “ترليون وثلاث مائة مليار دولار”.

– تتصدر عدد العلماء والباحثين بـ 6856 لكل مليون شخص. وكووريا الجنوبيّة 52 مليون نسمة، أي ما يقارب 400 ألف عالم وباحث.

– سؤال: لماذا المقارنة بين كوريا الجنوبيّة وتونس؟

– الإجابة: مساحة تونس 163 ألف كم مربّع، وفي المقابل مساحة كوريا الجنوبيّة 99 ألف كم مربّع. وعدد السّكان في تونس سنة 1966 في حدود 4،6 مليون ، ليصل سنة 2018 إلى حدود 11،6 مليون نسمة. أمّا عدد سكّان كوريا سنة 1966 فكان 29،4 مليون وبلغ سنة 2018 ما يقارب 51،6 مليون.

– انتهجت تونس مثل كوريا منهج التصنيع بقروض من البنك الدولي ، ومثال ذلك “شركة الأثير” لصنع تجهيزات البث الإذاعي . التي لم تتجاوز مستوى تركيب الأجهزة. كما اعتمدت المؤسسات الصناعية التونسية على التشغيل الهش. وفي المقابل اشتغلت شركة “سامسونغ” الكورية مثلا – والتي نشأت في نفس الفترة- على البحث العلمي والتطوير وعلى التصنيع لتصل معاملاتها المالية سنة 2018 إلى 200 مليار دولار أي ما يعادل خمسة أضعاف ميزانية الدولة التونسية.

النتائج: المقارنة تبين الفرق الشاسع بين البلدين ومسار التنمية في كل منهما. ولذلك يجب المراهنة على البحث العلمي وعلى السيادة الوطنية في البحث العلمي والتصنيع.

الحلول الممكنة: يجب الرجوع إلى المخططات التنموية الوطنيّة التي تستقل بذاتها للحد من الضغوطات الاقتصادية الإقليمية والدولية.

وقدّم الباحث فرضية لتغيير وضع الدّكاترة المعطّلين عن العمل على ضوء الإشكاليات المطروحة. وتتمثل في تشغيل 4000 دكتور معطّل عن العمل بأجر شهري 3 آلاف دينار إضافة إلى 30 % بين خصم على المورد ومساهمة لدى صندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويكون صرف الأجور على 13 شهرا. لتكون الكلفة الإجمالية السنويّة لهذا المقترح 203 مليون دينار/ 61،5 مليون أورو. فمن أين يكون التمويل؟؟

– مثال لترشيد المصاريف:

– تمنح الدولة التونسية حسب تقرير البنك الدولي سنويّا منحا بقيمة مليار دولار سنويّا للشّركات الأجنبية المنتصبة في تونس غير المقيمة والمصدّرة كلّيا. والتي لا تدفع الضرائب. وهو ما يعادل 2،4 مليار دينار أي ما يعادل 13،8 ضغط تكلفة التشغيل لأربعة آلاف دكتور تونسي.

– التهرّب الجبائي الذي بلغ حدود 12 مليار دينار، وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج الذي بلغ مؤخرا ما يقارب 11،5 مليار دينار بسبب المضاربة بين التقليص في معاليم التصدير والترفيع في معاليم التوريد. وهو ما أحدث نزيف مالي مرتفع جدّا.

الحلول يجب أن تكون بقرارات سياسية جادّة وفاعلة ، تقطع مع المصالح الاقتصادية التي تمس من القطاعات الوطنية المنتجة، وتحول دون تأسيس نسيج صناعي وتنموي محلي ووطني.

كما تطرق الباحث إلى أهم إشكاليات التصنيع من خلال جملة من الإحصائيات الدولية. ولعل أهمها إغراق السوق للاستفراد بالسوق الوطنيّة على حساب المؤسسات الوطنية المُصنّعة. في مخالفة صريحة لما تنصّ عليه الأسس والمعايير العالمية للتّجارة . ودعا إلى تفعيل قوانين الحماية الصناعية والتجارية التي من شأنها حماية المصنّع التونسي. خاصة المؤسسات الوطنية الكبرى في مختلف القطاعات على غرار الفولاذ والتكرير والورق ومؤسسات الصناعات الغذائيّة. كما أكد على أهميّة دور الكفاءات العلمية في حماية هذه المكاسب الوطنية وتطويرها.

– مداخلة الدكتورة تسنيم قزبار : أستاذة جامعيّة في علوم التّصرّف

استهلت الأستاذة مداخلتها بالتأكيد على أنّ قضية البحث العلمي هي النقطة المركزية لأي مشروع تنموي وطني، ومعتبرة أن تونس أضاعت الفرصة في سنة 2011 حينما كان بإمكانها تغيير الاستراتيجيات الوطنية في البحث العلمي والتصنيع. ولهذا يجب توجيه النظر إلى النقاط التالية.

– البحث العلمي لا يتعلق بالجامعات فحسب وإنما هو إستراتيجية وطنية يساهم فيها الجميع للتخطيط لسيادة وطنية في مقابل ما يخطط له إقليميا ودوليا في مختلف المجالات.

– الالتفات إلى مشاغل القطاع الفلاحي في تونس لارتباطه الوثيق بكل الميادين والقطاعات. والانتباه إلى الآليات الحديثة في تطويره .

– الدكاترة الباحثون المعطّلون عن العمل ناتج عن التقصير في ملف البحث العلمي ، وقد ارتبط البحث في مرحلة ما بكليات العلوم الطبيعية. ليتطور شيئا فشيئا ويأخذ معنى أشمل. ولكن ذلك لم ينعكس في الاهتمام بقطاع البحث العلمي, وهنا تسأل الباحثة كيف تخلق منوال البحث العلمي وكيف يكون مستداما؟

دعت الباحثة إلى ضرورة تطبيق مشاريع البحث على أرض الواقع، وذاك لن يكون في نظرها إلا برصد التمويل الكافي من قبل سلطة الإشراف.

– أبدت الباحثة رفضها للمنوال الاقتصادي الحالي حيث تكسف الإحصائيات أنّ تونس أصبحت تابعة للقوى الاقتصادية الكبرى. في ظلّ سياق اقتصادي مهدد للسيادة الوطنية على مستوى التصنيع وعلى المستوى الاقتصادي . مع دعوتها إلى حماية المؤسسات الصناعيّة الوطنيّة خاصّة في ظل المديونيّة. ومثال ذلك ما وقع من تدهور في قطاع الفسفاط. والنسيج وفي القطاع الصّحي والفلاحي.

– نحن لا نحتاج إلى منوال اقتصادي جديد فحسب وإنّما إلى رؤية علمية وعقلانية في بناء الاقتصاد الوطني من أجل تطوير تونس في كلّ المجالات بعيدا عن التعهّدات غير الجدية والتي لا تتجاوز حدّ الشعارات الفضفاضة.

– برامج التنمية والتطوير لم نر لها انعكاسا فاعلا على أرض الواقع. وهو ما يعبّر عنه الوضع الاقتصادي الحالي الذي يواجه صعوبات جمة في التخطيط والاستشراف.

– نعم نحتاج إلى عناصر قياديّة ذات كفاءة . والدور القيادي في كل القطاعات تكفله رؤية لمنوال تنموي وكفاءات اقتصادية وعلمية ويدعمه مزيد الاستثمار في البحث العلمي.

– نحن في مرحلة اقتصادية خطيرة وحرجة تفرض على المجموعة الوطنية إحداث منوال تنموي جديد ومختلف، لحماية الشركات الوطنية التي نخسرها يوما بعد يوم. وهو ما أفقد تونس توازنها الاقتصادي والصناعي.

– الأمل في الدكاترة الباحثين وكل الكفاءات في الدفاع عن البحث العلمي وفي صياغة منوال تنموي وطني ومستدام.

– ما نواجهه هو نتاج تهميش دام لسنوات، وهو ما أضرّ بقيمة البحث العلمي ومنع الكفاءات من حقهم الطبيعي في التشغيل وفي تطوير البرامج العلمية والمهنية في تونس.

– مداخلة الدّكتور محمد جماعة : دكتور باحث في البيولوجيا

تناولت مداخلة الباحث العلاقة بين البحث في الجامعات والمخابر والتصنيع في القطاع الاقتصادي. مع التأكيد على توفر ثروات وطنية قابلة للتطوير والاستثمار. وقدم الباحث مثالا عن سرعة التفاعل مع مقترحات الباحث العلمي في المؤسسات الأوربية والأمريكية ، مؤكدا على مركزية البحث العلمي في أوروبا وأمريكا رغم الاختلافات في مسارات التطبيق.

وساق الباحث امثلة للتنبيه إلى أهمية الإيمان بحق الكفاءات العلمية والبحثية في تحقيق أحلامها ونيل فرصتها في الابتكار والاكتشاف. ومن النقاط التي عرضها الباحث محمد جماعة في مداخلته:

– من حق كل باحث علمي في تونس أن يمتلك فرصة لتحقيق أحلامه وخلق رؤى بحثية جديدة.

– ما نواجهه من إشكاليات لا بمكن تجاوزه إلا بالبحث العلمي. ومثال ذلك مشكلة انقطاع المياه وتلوثها، وهو ما يفرض إعطاء فرصة للدكاترة الباحثين في المختصين في تحلية المياه لإيجاد حلول جدية وإحداث مقاربات استشرافية في هذا المجال.

– يواجهه التونسي غلاء في المنتجات الفلاحية بما يهدد أمنه الغذائي, وفي المقابل هناك تهميش لدور الباحثين في مجال البيولوجيا والفلاحة القادرين على تطوير بذور محلية قادرة على التأقلم مع المناخ المحلي والظروف البيئية المتغيرة.

– ما حققته مخابر البحث المغربية في أزمة كورونا خاصة في تصنيع مستلزمات تقصّي فيروس كورنا محلّيا . كان بفضل دعم رسمي استثنائي للباحثين المختصين في هذا المجال. وهو ما يؤكد أن الكفاءات العلمية قادرة على التميز إن توفّر لها دعم معنوي ومالي للخلق والإبداع.

– نحن نحتاج إلى تحقيق أحلامنا ويجب على سلطة الإشراف أن تؤمن بالبحث العلمي وبقدرة الدكتور الباحث على الاكتشاف والاختراع في كل المجالات.

وانتهت فعاليات الندوة بفتح باب النقاش بين الحضور أصحاب المداخلات . وتمحور النقاش حول واقع البحث العلمي في تونس. وغياب رؤية وطنية تنتصر إلى حق الدكاترة الباحثين في البحث العلمي في حضور منوال تنموي وطني مستدام . وأكّدوا على حقهم المشروع في ممارسة نشاطهم البحث واعتبروا أنّ المسؤولية يجب أن تكون مشتركة بين سلطة الإشراف والدكاترة الباحثين في مختلف الاختصاصات. مع التنبيه إلى ضرورة حرص سلطة الإشراف على فتح باب التّشاور مع أهل الاختصاص في القرارات التي تمس من الاقتصاد الوطني والمسار التنموي.

وتتعهد الجمعية الوطنية لطلبة الدكتوراه والدّكاترة الباحثين التونسيين بأخذ كل ما تمّ عرضه واقتراحه من الحضور بعين الاعتبار في برامجها المستقبليّة. خاصة فيما يتعلّق بتوفير فرص لقاء وتشاور تجمع ممثلي سلطة الإشراف والقطاعات المهنيّة مع الدكاترة الباحثين في جميع الاختصاصات. وذلك لتفعيل الشراكة بين مشاريع البحث وآليات التصنيع والاستثمار.

ختاما، نتقدّم بالشكر الجزيل لضيوفنا الأجّلاء على ما قدموه في مداخلاتهم القيّمة. ونشكر الحضور على مساهمتهم في إثراء النقاش. وفي انتظار مواعيد علمية قادمة بالشراكة مع دار الثقافة السليمانية نعبر عن فخرنا بكفاءاتنا الوطنية في كل الاختصاصات، كما نأمل أن تغيّر سلطة الإشراف رؤيتها إلى قطاع البحث العلمي وأن تؤمن بدور الدكاترة الباحثين في الدفع بقاطرة التنمية وتطويرها.

عن الهيئة المديرة

رئيس الجمعية.

: جميع المداخلات في رابط موحد