قراءة في مختلف مقترحات النظام الأساسي الجديد لسلك المدرسين الباحثين التابعين للجامعات

بقلم د. محمد حداد، دكتور باحث في الهندسة الكهربائية،

مقال نشر في العدد الثالث، مارس 2024 من مجلّة الدّكتور الباحث التّونسي

يعود موضوع “مشروع النظام الأساسي الجديد” إلى دائرة الحوارات في الفضاءات الأكاديميّة وعلى مختلف منصات التواصل الاجتماعي بين الأساتذة، خاصّة بعد التسريبات الأخيرة لملخص اجتماع الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي حول مقترح النظام الأساسي لسلك المدرسين الباحثين في الجامعات. فمنهم المعارض لبعض النقاط ومنهم من هو ضد ما تم الاتفاق عليه، وكذلك ضد طريقة المكتب التنفيذي في صياغة المقترح دون الرجوع والتشاور مع مختلف الأساتذة التي تمثلهم ويعتبرونها صوتهم وتتكلم بلسانهم. مقترح يعتبر الثالث من نوعه بعد المقترحين الذين تقدمت بهما الوزارة تحت إشراف كل من الوزيرين السابقين سليم خلبوس وألفة بن عودة.

فما هي أوجه الشبه بين كل هذه المقترحات؟

وما هي أوجه الاختلاف؟

1. لمحة تاريخية

ينقسم أساتذة التعليم العالي إلى عدة أسلاك مهنية كل حسب المؤسسة التي ينتمون إليها. بخلاف الأساتذة الباحثين التابعين للجامعات، نجد كذلك سلك المبرزين، وأساتذة السلك المشترك لمادة الاعلامية الانقليزية، ونجد كذلك سلك الباحثين التابعين لمؤسسات التعليم العالي الفلاحي، وكذلك الأساتذة الاستشفائيين. دون أن ننسى المدرسين التكنولوجيين المنتمين إلى المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية. في هذا المقال سيكون تركيزنا حول سلك المدرسين الباحثين التابعين للجامعات الذي أثار حوله كثيرا من الكلام منذ أن تم تعيين سليم خلبوس وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي.

ولا يمكن اعتبار الأمر عدد (1993-1825) بتنقيحاته الستة1، الخاص بإطار التدريس في الجامعات التونسية المرجع الأساسي للعملية الإصلاحية، ولكنه كان انطلاقة لإعادة إصلاح هيئة التدريس في التعليم العالي رغم توفّر عدة أوامر منظمة لموظفي التعليم العالي على غرار الأمر عدد (1982-1269) بتنقيحاته الستة2، ومن قبله الأمر عدد (1973-454) الذي نقح في 15 مناسبة3، ومن قبلهم الأمر عدد (1963-42)4، والأمر عدد (1963-43) عندما تم إدخال أحكام استثنائية عليه5.

وتدلّ كثرة هذه التعديلات على أنّ الأمر لا يبقى على حاله وأنّ النّصوص ليست جامدة وهي تحت طلب أي تغيرات. وقد كان آخر هذه التنقيحات هو الأمر (2023-749) الذي تم إصداره في 4 ديسمبر 2023 والذي يتعلق بتنقيح وإتمام الأمر (1993-1825)6، والذي تم بموجبه إدراج عملية الفرز الأولي في مناظرة الأساتذة المساعدين، والتي يمكن اعتبارها عملية اقصائية للدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل.

حسب الأمر عدد (1963-42) الذي يعتبر أوّل نص تشريعي يقوم بتنظيم أعضاء التعليم العالي والذي استند إلى القانون عدد (1958-118)7، الذي يعتبر آنذاك أوّل مبادرة إصلاحية شاملة لمنظومة التعليم بعد الاستقلال. وإذا استثنينا الجزء الأوّل والجزء الثاني المنظمين للموظفين الإداريين من الأمر المذكور فإن الباب الأول من الجزء الثالث تم التركيز فيه على أعضاء التعليم العالي وفنيي المخابر وجامعوا المعلومات والوثائق التابعين لجامعة تونس. نجد في مختلف الفصول 5 أصناف من الأساتذة وهم على التوالي: أساتذة التعليم العال، الأساتذة المحاضرون، الأساتذة المساعدون، ورؤساء الأعمال المقسمين إلى صنفين (رؤساء أعمال صنف أول ورؤساء أعمال صنف ثاني) وأخيرا المساعدون، وهم موزعون على رتبتين (مساعدين من الصنف الأول ومساعدين من الصنف الثاني)، أما الجزء الرابع فقد ركز على موظفو البحث العلمي المتكون من 6 رتب وهم على التوالي؛ مدير بحوث، أستاذ بحوث، أستاذ مساعد للبحوث، مكلف البحوث من الصنف الأوّل، مكلف بالبحوث من الصنف الثاني، ملحق بالبحوث من الصنف الأوّل وأخيرا ملحق بالبحوث من الصنف الثاني.

لكن اللافت للنظر أن في الفصل 37 نجد فيه إدراج إمكانية التحاق أعضاء التعليم العالي بهيئة البحث العلم. وهو ما يجعلنا نقر أنّ في بدايات التعليم العالي بتونس كان هناك فصل بين التعليم العالي والبحث العلمي. نلاحظ كذلك عدم وجود فكرة التعاقد من خلال الأساتذة المتعاقدون.

ليتم بعدها إلغاء هذا الأمر عن طريق إصدار الأمر عدد (1982-1269) المتعلق بموظفي التعليم العالي وتم تحديد أربع رتب فقط والاستغناء عن رتبة رؤساء الأعمال. وقد جاء هذا الأمر بعد انفصال مرحلة التعليم العالي عن باقي مراحل التعليم من خلال إصدار القانون (1976-65)8، وإنشاء وزارة خاصة بالتعليم العالي والبحث العلمي عن طريق الامر (1979-293)9، وقد تم استثناء مدرسي الاختصاصات الطبية التي أصبحت تخضع لقوانين خاصة.

أمّا في الأمر عدد (1993-1825)، فقد وقع تغيير موظفي التعليم العالي بالمدرسين الباحثين التابعين للجامعات، وفي هذا الأمر نلحظ تقسيم رتب الأساتذة إلى صنفين؛ الصنف الأول يبقي على الأربع رتب من أساتذة تعليم عالي وصولا إلى رتبة المساعد، وتم تسميهم بالأساتذة القارّين، لنجد في المقابل الأساتذة غير القارّين المكون من أربع رتب وهي على التوالي؛ أستاذ متميز وأستاذ زائر وأستاذ مشارك والمساعد المتعاقد.

 وهذه التصنيفات هي المتواجدة حاليا، وغاية الوزارة هي إعادة تنظيم هذا السلك لكن يبقى الإشكال في اتفاق المتداخلين في العملية الإصلاحية من سلطة الإشراف والنقابات المهنية حول الصيغة النهائية لهذا السلك رغم تقديم عدة مقترحات.

2. مقترحات عديدة لفكرة حدة

بعد إلغاء العمل برتبة المساعد بصفة صورية منذ 2016 لتتجسد على أرض الواقع عند إلغاءها في التنقيح الأخير من خلال الأمر (2023-749)، فإن الفكرة الاساسية لعملية إعادة صياغة نظام أساسي جديد تنطلق من خلال إضافة إلغاء خطة الأستاذ المساعد والاكتفاء برتبتين وهما أستاذ محاضر وأستاذ تعليم عال لكن الجديد في مختلف المقترحات هي إعادة تقسيم كل من الرتبتين إلى اصناف فرعية.

فماهي هذه المقترحات؟

وما وجه الشبه والفرق بينها؟

في بلاغها الصادر في 28 ديسمبر 2018 قدمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في عهد الوزير سليم خلبوس ملخص لأهم مخرجات أشغال مجلس الجامعات حول النظام الأساسي الجديد للمدرسين الباحثين بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والتي التأمت فعالياتها في 13و14و24 ديسمبر 2018، حيث نلاحظ في أهم نقاطه إلغاء التقسيم الإداري لإطار التدريس بين “أ” و “ب” والمرور من4 رتب إلى رتبتين وهما؛ “أستاذ تعليم عال” و” أستاذ محاضر”، وقد تم بموجب هذا المقترح تقسيم كل من الرتبتين إلى ثلاثة أصناف فرعية وهم على التوالي أستاذ محاضر صنف 1 وأستاذ محاضر صنف  2 وأستاذ محاضر صنف 3 وأستاذ تعليم عال صنف 1 وأستاذ تعليم عال صنف2  وأستاذ تعليم عال صنف3 (الصورة عدد 1).

صورة عدد 1: تقسيم الرتب والأصناف الفرعية حسب مقترح الوزارة الأول
المصدر: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

وفي فترة إشراف الوزيرة ألفة بنعودة وتحديدا في أفريل 2021 تم إعادة نشر مقترح مشروع حول النظام الأساسي لإطار التدريس بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، فقد تم المحافظة على الرتب والأصناف نفسها مع تغيرات طفيفة حول كيفية الانتداب والترقية.

أمّا المقترح الثالث فقد تم كشف النقاب عليه مؤخرا وهو مقترح الجامعة العامة للتعليم والبحث العلمي وهو مخرجات لورشتي عمل للمدرسين الباحثين في 6 و7 ماي والثانية في 16و17 جوان 2023، وإن تم المحافظة على نفس فكرة الاكتفاء برتبتين لكن تم تقسيم كل رتبة إلى صنفين عوض الثلاثة أصناف المقترحة من رؤساء الجامعات والطرف الوزاري، وهي على التوالي أستاذ محاضر وأستاذ محاضر مؤهل وأستاذ تعليم عال درجة 1 وأستاذ تعليم عال درجة 2.

إنّ فكرة هذا التقسيم نجد صده كذلك في مدونة الإصلاحات الإستراتيجية الكبرى التي أصدرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية في 2019 حيث نجد الاكتفاء برتبتين مع تصنيفات فرعية هي على التوالي أستاذ محاضر وأستاذ محاضر مؤهل وأستاذ تعليم عال درجة 2 وأستاذ تعليم عال درجة 1 وأستاذ تعليم عال درجة استثنائية إضافة إلي أستاذ مميز (الصورة عدد 2).

صورة عدد 2: خطة تطوير المسار المهني للمدرسين الباحثين المقترحة من المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية
المصدر: المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية

إذا حاولنا مقارنة المقترحات الثلاث، نجد أنّ مقترح الجامعة العامة هو الأكثر نضجا والأكثر تركيزا على عدة نقاط لم يأتي عليها كل من المقترحين الذين تمت صياغتهما من قبل الوزارة، فمثلا لم تركز الوزارة على مهام كل من الأساتذة المحاضرين بمختلف أصنافهم ولا مهام أساتذة التعليم العالي، فقد اكتفت بتحديد كيفية الانتداب وشروطه، وهي محددات تعتمدها الوزارة في المناشر والمقررات التي ترسلها إلي مختلف لجان الانتداب، أي أنّ ما تم صياغة يعتبر في جزء منه خاص بشبكات التقييم التي تقوم بصياغتها لجان الانتداب والتي تعتبرها الوزارة سيدة نفسها.

فهل يمكن أن نعتبر صياغة النسب داخل نظام أساسي دليلا على اعتراف الوزارة الضمني حول ما يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي والقضايا التي يتقدم بها البعض للطعن في نزاهة بعض اللجان وشفافية المناظرة؟

سؤال يمكن أن نجد له إجابة في قادم الأيام ومدى تطبيق الوزارة للأحكام الصادرة عن طريق المحكمة الإدارية لصالح ضد بعض لجان الانتداب والترقية، لكن لنجعل تركيزنا حول نقائص المقترحين.

فلو قامت الوزارة بصياغة وتغيير كيفية الانتداب وشروطه، الذي نجد صداه في الأمر (1993-1825). إلا أنها غفلت عن تحديد المهام البيداغوجية لكل صنف من الأصناف، وهل سيتم المحافظة على نفس المهام الموجود في الامر القديم .فلم يتم تحديد مهام المدرسين الباحثين المتمثلة في الأشغال المسيرة  والأشغال التطبيقية التي هي من مهام الأساتذة المساعدون مع إمكانية تقديم دروس نظرية التي هي من مهام كل من الأساتذة المحاضرين وأساتذة التعليم العالي، نلاحظ في الفصل السادس من الامر (1993-1825)، أن كل من أساتذة التعليم العالي والاساتذة المحاضرون علاوة  على مهام التدريس فإنهم يضطلعون بمهام إعداد البرامج وتأطير الأساتذة المساعدون والمساعدين (الملغاة كما ذكرنا بالأمر  749لسنة 2023)، إضافة إلى مهام التنسيق بين الفرق البيداغوجية وفرق البحث، والإشراف على اشغال الطلبة.

فلو عدنا إلى الفصل الثالث من الامر (1993-1825)، نجد أن المهام التي يقوم بها المدرسون الباحثون هي مهام تستند في بلورتها إلى القانون المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، والسؤال الذي يمكن طرحه حاليّا؛ إذا كان مهام المدرس الباحث تتحد على ضوء أهداف التعليم العالي والبحت العلمي، فهل أنّ الوزارة ستواصل اعتمادها على نظام يحظى بسخط الأغلبية المتداخلة في المنظومة التعليمية؟  فاعتبار أنّ نظام “إمد” اثبت فشله، فقد وجب أولا إعادة صياغة أهداف تعليمية وفلسفة تربوية تتماشى مع روح العصر وإعادة صياغة وتوحيد الأولويات الوطنية في مجال البحث العلمي، ثم يتم من خلالها إعادة صياغة مهام المدرسين الباحثين بمختلف أصنافهم الجديدة. وإذا كان النظام الأساسي الجديد سيكتفي بالمهام القديمة، فكيف ستتوزع هذه المهام على مختلف الاصناف؟ إذا ما الغاية من كل هذا التعقيد الاداري في الارتقاء من صنف إلى آخر داخل نفس الرتبة في صورة الإبقاء على الأهداف القديمة؟

ويظلّ النقص المتمثل في تحديد المهام لكل من الرتب المقترحة والغموض الذي يحوم حول بعض النقاط خاصة منها حول الإبقاء على المساعدين الذي لم يسعفهم الحظ في الترقية قبل الانتقال إلى العمل بالنظام الاساسي الجديد وتعويض التسمية لتصبح “مدرس جامعي”. فالمساعد الذي لديه شهادة الدكتوراه يلتحق بمناظرة داخلية إلى رتبة استاذ محاضر صنف 3. أمّا غير المتحصلين على شهادة الدكتوراه فيتم التسهيل لهم وتخفيف ساعات العمل بغية إتمام الاطروحة.

وفي المقابل تبنّى مقترح الجامعة العامة فكرة إدراج المساعدين المتحصلين على شهادة الدكتوراه في رتبة أستاذ محاضر دون المرور بمناظرة داخلية بالملفات (النقطة 14) على عكس المقترح الوزاري، وهنا حسب ما فهمناه قامت الجامعة العامة بالتسوية بين مساعد متحصل على شهادة الدكتوراه وأستاذ مساعد غير مؤهل. أمّا المساعدين غير المتحصلين على شهادة الدكتوراه فيتم إحداث رتبة خاصة بهم يطلق عليها “أستاذ مساعد” ويرتقون مباشرة إلى رتبة أستاذ محاضر بمجرد الحصول على شهادة الدكتوراه.

وعليه فإن النقائص والتعقيدات الإدارية في الانتداب والارتقاء وتحديد المهام في المقترح الوزاري، فقد كان على عكس ذلك في المقترح النقابي الذي يعتبر هذا الاخير أكثر نضجا وجدية رغم بعض نقاط الاستفهام. والتي نطرح منها مقترح جعل التناظر تحت إشراف الجامعات حسب مقترحاتها بالشغورات المطلوبة، وما سينتج عنه من تقليص فرص الانتداب للآلاف من حاملي شهادة الدّكتوراه في كلّ الاختصاصات، خاصة أمام الإشكاليات والاخلالات التي ترافق عادة عمليات التعاقد.

فماذا سيكون موقف الوزارة من هذه المقترحات؟

الهوامش

[1].   أمر عدد 1825 لسنة 1993 المؤرخ في 6 سبتمبر 1993 المتعلق بضبط النظام الأساسي الخاص بسلك المدرسين الباحثين التابعين للجامعات.

[2].   أمر عدد 1969 لسنة 1982 مؤرخ في  14 سبتمبر 1982 يتعلق بالقانون الأساسي لموظفي التعليم.

[3].   أمر عدد 454 لسنة 1973 المؤرخ في 27 سبتمبر 1973 المتعلق بضبط القانون الأساسي الخاص بموظفي التعليم لعالي.

[4].   أمر عدد 42 لسنة 1963مؤرخ في 28جانفي 1963المتعلق بالقانون الأساسي لأعضاء التعليم العالي.

[5].   أمر عدد 43 لسنة 1963مؤرخ في  28جانفي  1963يقتضي إدخال احكام استثنائية على القانون الأساسي لأعضاء التعليم العالي.

[6].   أمر عـدد 749 لسنــة  2023 مؤرخ فـي  4 ديسمبر 2023 يتعلق بتنقيح وإتمام الأمر عدد 1825لسنة 1993 المؤرخ في  6 سبتمبر 1993 المتعلق بضبط النظام الأساسي الخاص بسلك المدرسين الباحثين التابعين للجامعات.

[7].   قانون عدد 118 لسنة  1958مؤرخ في 4 نوفمبر 1958 يتعلق بالتعليم.

[8].   قانون عدد 65 لسنة 1976المؤرخ في  12جويلية  1976 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي.

[9].   أمر عدد 293 لسنة 1979مؤرخ في  2 أفريل 1979 يتعلق بتنظيم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.