تقديم الجمعيّـــة الوطنية لطلبة الدكتوراه والدّكاترة الباحثين التّونسيين

بقلم الدكتور الباحث “محمد حداد”

مقال نشر في العدد الأوّل من “مجلّة الدّكتور الباحث التّونسي“، نوفمبر 2023

انبثقت الجمعية الوطنية لطلبة الدكتوراه والدكاترة الباحثين التونسيين من حراك 15/25 أفريل 2019. حيث نظّم الدّكاترة الباحثون وطلبة الدّكتوراه وقفتين احتجاجيتين أمام مقرّ وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي، وأفضت الوقفات إلى عقد جلسة تفاوض مع مديري ديوان وزير التعليم العالي والبحث العلمي دون تحقيق نتائج ملموسة. وكان العامل الأبرز الّذي أدّى إلى فشل المفاوضات هو غياب هيكل معنوي وقانوني يمثّل الدّكاترة الباحثين المعطّلين عن العمل، الأمر الذي حال دون توقيع محضر الجلسة بما تمّ الاتّفاق عليه من توصيات في خصوص ما قدّمه ممثلو الحراك من مطالب.

وهو ما أحدث انقساما في صفوف المشاركين في الحراك بين من طالب بالمزيد من الضغط الميداني ومن أقرّ بضرورة بعث هيكل قانوني يمثّل الدّكاترة الباحثين المعطّلين عن العمل ويتبنّى مطالبهم. فاتجهت النّية إلى تكوين هذه الجمعية من أجل توحيد الصفوف وللدفاع عن قضية الدكاترة الباحثين، وهو ما تضمنه فعلا محضر الجلسة التأسيسي والنظام الأساسي الأوّلي الذي استند عليهما عدل المنفذ في الإجراءات القانونية لدى إدارة الجمعيات حيث تضمّن المحضر الأول الأهداف التالية:

وقبل انقضاء مدة الشهر القانونية تم استدعاؤنا وإعلامنا بأنّ الأهداف التي تمّت صياغتها ليست بالأهداف الجمعياتية، وإنّما تندرج ضمن الأهداف النقابية والتي من شأنها أن تلغي إتمام إجراءات التكوين. ويأتي هذا الطلب في سياق التدقيق في مقترحات النشاط الجمعياتي نظرا إلى ما شهده المجتمع المدني من استغلال وتستر وراء النشاطات الجمعياتيّة.  ليصبح التركيز على الأهداف وكيفية صياغتها من المحدّدات المهمّة في نيل التأشيرة من عدمه. وهو ما اضطرنا بعد التشاور صلب الهيئة التّأسيسيّة إلى تغيير الأهداف الّتي اعتبرت ذات صبغة نقابيّة لضمان تحقيق هدف المجموعة المؤسّسة ببعث جمعية علميّة تمثّل طلبة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين في مختلف اختصاصات العلوم والإنسانيّات، ولحفظ حقّ الجمعية في حماية منظوريها تمّ تعديل صياغة الأهداف على النّحو التّالي:

وبناء على استجابتنا لطلب التعديل تمّ التّصريح بتكوين الجمعية لدى إدارة الجمعيّات بتاريخ 15جانفي 2020 ولئن طالت مرحلة التأسيس نسبيّا، فإنّ ذلك عائد بالأساس إلى تواضع خبرة أعضاء الهيئة المديرة بالإجراءات الإدارية اللاّزمة لدى مختلف المؤسسات ذات النّظر، ومنها القباضة المالية والسّجل الوطني للمؤسسات ومركز البريد التونسي. إضافة إلى الظرف الاستثنائي الذي مرّت به بلادنا وسائر دول العالم بسبب وباء كورونا، وما صاحبه من تعطيل لجميع المصالح الإداريّة.

ومع نيل موافقة إدارة الجمعيات على مشروع تكوين الجمعيّة، تمّ المرور إلى المرحلة الثانية، وهي صدور التأشيرة في الرائد الرسمي للجمهوريّة التّونسيّة، حتّى تكتسب الصبغة القانونية، وقد تحقّق ذلك في الرائد الرّسمي عدد 17 المؤرخ في 2020 أي قبل أيّام قليلة من انتشار فيروس كورونا في البلاد التونسية، والذي تمّ معه إعلان حضر التّجول وإغلاق جلّ المؤسسات العمومية وتقييد حركة التنقل بين المدن. لتتعطّل معها إجراءات استكمال التّكوين، خاصّة على مستوى استخراج السّجل التجاري لدى مصالح القباضة، بعد أن اضطرّت جمعية تونس الفتاة التي قمنا لديها بعقد تسكين بالتّخلي عن مقرها بسبب ثقل مصاريف الكراء. وهو ما اضطرّنا إلى اكتراء مقرّ جديد على نفقة الأعضاء المؤسّسين، وهو ما مكّننا من استخراج السّجل التّجاري في شهر جويلية 2021.

ومع طول المسار الإداري إجرائيّا وزمنيّا فيما يقتضيه من آجال في مختلف الوثائق، خيّر بعض أعضاء الهيئة المديرة الاستقالة بسبب ضغط التزاماتهم المهنية والعائلية، كما اعتبر بعض الأعضاء أنّ طول الإجراءات ناجم عن تقصير من بقيّة أعضاء الهيئة المديرة وعن عدم جديّتهم في دعم مسار الدّكاترة الباحثين المعطّلين عن العمل، فقرّر الاستقالة.

ولتجاوز هذا النّقص في أعضاء الهيئة التأسيسيّة وما سيترتّب عليه من تجديد للوثائق ومن تنقيحات، تمّ اللّجوء إلى اعتماد الفصل 32 و33 و34 من النظام الأساسي لقانون الجمعيّات، والفصل 50 من النّظام الدّاخلي فعُقدت جلسة خارقة للعادة بثلثيْ الأعضاء. وليقع لاحقا رفع محضر الجلسة الجديد والتقارير الأدبيّة والمالية لمصالح رئاسة الحكومة ولمصالح القباضة الماليّة والسّجل الوطني للمؤسّسات، وبعد التّثبت في سلامة الإجراءات وتعزيز الملف بالوثائق المطلوبة تمّت الموافقة على صدور اسم “الجمعيّة الوطنيّة لطلبة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين التونسيّين” في السّجل الوطني للمؤسسات مع بداية سنة 2023.

ففي الوقت الذي كان البعض يظن أنّنا تنكّرنا لأهدافنا تجاه الدّكاترة وطلبة الدكتوراه كان ما تبقّى من أعضاء الهيئة التأسيسية “يصارعون من أجل البقاء والاستمرار”، وكان صراعا ضدّ مشاغل الحياة اليومية وضد الاتهامات من داخل الجمعية ومن خارجها، خاصّة في فترة اعتصام الدّكاترة الباحثين، الذي سيبقى مرحلة فارقة في مسار الدّكاترة الباحثين النضالي.

 وكان هذا التّحامل لجهلهم بما كنّا نواجهه في المسار الإداري ولعدم تقديرهم لضرورة التزامنا بالضوابط القانونيّة التي تحفظ حقّ تأسيس الجمعيّة أو تؤدّي إلى الفشل في تحقيقه. ولم يكن من اليسير تحمّل كلّ الاتّهامات التي وجّهت لأعضاء الهيئة التأسيسيّة، كما تطلّب فهم مسار الإجراءات – التي يعتبرها البعض سهلة – الّتي لا نتحرّج من قول أنّنا كنا نجهلها مدّة زمنيّة طويلة نسبيّا. ولكن ذلك لا يحجب أهمّية المقترحات التي رفعناها إلى سلطة الإشراف، والتي لا يمكن لأي طرف أو جهة أن تتجاهل قيمة ما دعونا إليه في هذه المراسلات من أجل طلبة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين. بل إنّها أساس التغيير ومقدّمته.

ورغم كلّ هذه الإشكاليات والإرهاصات تحقّق حلمنا ببعث هيكل قانوني في صمت، والّذي تراهن عليه الهيئة المديرة ليكون صوت جميع الدّكاترة وطلبة الدكتوراه الباحثين صلب المجتمع المدني، هيكل يجمع مختلف الاختصاصات العلميّة والمشارب الفكريّة والثقافيّة تحت هدف واحد وهو مشروع وطني للبحث العلمي عماده الدّكاترة الباحثون وطلبة الدّكتوراه. وهو هيكل يرفض مؤسّسوه أن يكون تحت وصاية أيّ جهة سياسيّة أو نقابيّة. فرهان الهيئة المديرة الحاليّة ومن سيأتي بعدها من هيئات إدارية ومن سيتبنّى مشروع ” الجمعية الوطنيّة لطلبة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين التّونسيين” هو ترسيخ النضال التشريعي والقانوني وتحقيق تكامل بين ما يتطلّبه واقع الدّكاترة الباحثين، خاصّة منهم المعطّلين عن العمل وآفاق البحث العلمي أكاديميّا ومهنيّا. مع دعم مسار بعث مشاريع البحث العلمي وتوفير الآليات الكفيلة بتحقيقها على أرض الواقع بفضل جملة من الشراكات العلميّة والأكاديميّة.

ختاما، إنّ الإيمان بفكرة التنظّم، هو الرّكن الأساسي لمشروعنا الجمعياتي الفتيّ، لخلق مقاربة منهجيّة ونضاليّة لا مجال فيها للأفكار المتشائمة أو الخطوات الاعتباطيّة التي تنتهي بفشل من يدافع عنها في إثبات وجاهتها، وإنّما تكون في اعتماد رؤية تجمع بين مختلف الرّهانات، ليكون تحقّق كلّ رهان منفذا لتحقيق الرّهان الذي يليه أهميّة. وكلّنا ثقة أنّ هذا الحلم الذي كان فكرة بسيطة وأصبح هيكلا معنويّا قائم الذّات سيستمر وسيصبح أكثر نضجا وفاعلية بتراكم الخبرات وبقيمة منظوريه العلميّة والاجتماعيّة.

 

محمد حداد
دكتور باحث في الهندسة الكهربائية
البريد الإلكتروني: dr.mohamedhaddad@gmail.com