تأهيل شهادات نظام “أمد”: من فكرة مشروع إلى التنزيل في دليل التوجيه الجامعي

بقلم د. محمد حداد، دكتور باحث في الهندسة الكهربائية،

مقال نشر في العدد الخامس، جويلية 2024 من مجلّة الدّكتور الباحث التّونسي

بعد صدور دليل التوجيه الجامعي لسنة 2024 والجدل الذي تسبب فيه حول إلغاء بعض الشعب. فحسب موقع المفكرة القانونية يمكن أن نلاحظ حذف ما يقارب 50 مسارا تكوينيا، في مجالات اللغات والترجمة والفنون والثقافة (21 مسارا) وفي مجالات العلوم الصحيحة والدراسات الهندسية (29 مسارا)، وقد كانت كلية العلوم بقفصة الأكثر ضررا بحذف سبعة مسارات تكوينية، ممّا دعا النقابة الأساسية بالمعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بقفصة إلى الاحتجاج تعبيرا عن رفضها من خلال إصدار بيان في الغرض في 27 جوان 2024، لتلتحق بها بقية الهياكل النقابية للمؤسسات الجامعية المتضررة في باقي الولايات1. وفي 20 أوت 2024 قامت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي بعد صدور النّسخة النّهائيّة من دليل التّوجيه الجامعيّ، بتنزيل تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” (الصورة الأولى) تعبر فيها عن ارتياحها حول تراجع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن حذف المسارات التكوينية في النّسخة الأوّلية، وبالتالي فإنّ النسخة النّهائيّة تتضمن جميع الاختصاصات دون استثناء.

المصدر: صفحة الفايسبوك للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي

لن يكون هذا المقال من أجل البحث في الأسباب التي أدّت إلى إلغاء هذه الاختصاصات ثم إعادتها كما ذكرنا، لكن سنركّز في هذا المقال على عمليّة الترخيص والمراحل التي لا يمكن من دونها إدراج الشهادة في دليل التوجيه الجامعي2.

دخل دليل الإجراءات الخاص بتأهيل شهادات نظام “أمد” حيز التنفيذ في أفريل 2013 (تم تنقيحه في أكتوبر2013)، وهو عبارة عن وثيقة تحدّد الأطراف المتداخلة في عميلة الموافقة والمصادقة على نوعية الشهادات المرخصة لها داخل المؤسسات الجامعية بالقطاعين العام والخاص. حيث تتوزع عملية التأهيل على 13 مرحلة انطلاقا من إصدار منشور  العودة الجامعية ووصولا إلى تقييم حملة التأهيل لكن سنركز على 11 مرحلة السابقة لتنزيل الشهادة في دليل التوجيه الجامعي كما هو مبين في الصورة الثانية.

فككل سنة تقوم وزارة التعليم العالي والبحث قبل نهاية السنة الجامعية بالتحضير للسنة الجامعة الموالية من خلال إصدار منشور يكون موضوعه حول الإعداد للسنة الجامعية على مستوى التكوين في الشهادات الوطنية لنظام “أمد”. وبخصوص السنة الجامعية 2024/2025 تم تنزيل منشور عدد  27 المؤرخ في 11جوان 2024 فقد اقتصر هذا المنشور على دراسة مطالب تأهيل عروض التكوين في الشهادات الوطنية للإجازة المقترحة من طرف المؤسسات الجديدة والتي تم الترخيص لها في انطلاق التدريس بداية من السنة الجامعية 2024/2025. أما بقيّة المؤسسات التي تنتهي مدة تأهيلها سنة 2023/2024 فقد تم التمديد بسنة واحدة لمختلف الشهادات الوطنية للإجازة والماجستير والدكتوراه، لكن هنا علينا التركيز على نقطة مهمة، وهي أنّ هذا التمديد لا يشمل مسالك الشهادات التي لا تستجيب للمعايير المعتمدة من حيث العدد الأدنى للطلبة المسجلين بها (الصورة الثالثة). وبهذا هل يمكن القول بأنّ الوزارة قامت بسحب الاجازات من دليل التوجيه الجامعي بناء على هذا المعيار؟

وقد تمّ تنزيل دليل عروض التكوين الجامعي في نظام “أمد” وخارج نظام “أمد” في كل من القطاع العام والخاص في 2021، لنجد مثلا الإجازة الوطنية في الفرنسية التي تم إلغاؤها من المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بتوزر لأنّ مدّة التأهيل هي ثلاث سنوات بداية من السنة الجامعية  2019/2020إلى غاية السنة الجامعية 2022/2023، وقد تم تمديد التأهيل بسنة إضافية عن طريق المنشور عدد  14المؤرخ في  11افريل 2023.

أمّا منشور العودة الجامعية فيشتمل عادة على التوصيات العامة التي يتوجب إتباعها وكذلك الروزنامة. وبالنسبة إلى التوصيات العامة نلمح بخلاف تحديد الأولويات الوطنية في مختلف مجالات التكوين تأكيدا على توسيع نطاق التشاور عند بلورة مقترحات مشاريع الشهادات والتأكيد كذلك على إشراك ممثلي المحيط الاقتصادي والاجتماعي وأهل المهنة خاصة عند بلورة مقترحات الإجازات التطبيقية وشهادات الماجستير المهني أو الشهادات المقترحة إطار البناء المشترك، فإننا نلاحظ إلزامية العودة والاطلاع على توصيات مختلف اللجان الوطنية بالنسبة للسنوات السابقة وأخذها بالاعتبار عند الشروع في بلورة مقترح الشهادة والتنصيص كذلك على ضرورة الاعتماد على اعتماد برامج التكوين الوطنية المنجزة من اللجان القطاعية عند اقتراح مشاريع إجازات في نفس التخصصات.

المصدر: الإدارة العامة للتجديد الجامعي

فبعد المرحلة الأولى المتمثلة في إصدار منشور العودة الجامعية تتمّ في المرحلة الثانية دراسة مشاريع الشهادات المقترحة والمصادقة عليها في المجلس العلمي على مستوى المؤسسات، ثم تتم إحالة المشاريع المصادق عليها إلى الجامعة مرجع النظر التي تقوم في مرحلة ثالثة بدارسة مشاريع الترشح من طرف اللجنة البيداغوجية للجامعة ومن ثمة المصادقة عليها في مداولات مجلس الجامعة، وفي صورة الموافقة تتم إحالة المشاريع المصادق عليها إلى الإدارة العامة للتجديد الجامعي.

لتقوم الإدارة العامة للتجديد الجامعي في مرحلة رابعة دراسة ملفات الترشح والتثبت من مطابقتها للشروط المطلوبة ليقع توزيعها على اللجان القطاعية التي تقوم في مرحلة خامسة بدراستها وإبداء الرأي فيها بالاعتماد على الوثائق الإطارية والقانونية المنظمة لشهادات نظام “أمد”.

وفي نهايته المرحلة تقوم بإعداد تقرير تأليفي يتضمن هذا التقرير على تقيم المسلك محور الدراسة حيث تكون التقارير إمّا بقبول المشروع المقترح أو رفضه أو تطلب معطيات تكميلية، وبالتالي تؤجل اللجنة رأيها النهائي في انتظار استكمال المعلومات المطلوبة أو للقيام بالتعديلات اللازمة، ويتم تقديمه إلى الإدارة العامة للتجديد الجامعي حيث تقوم هذه الاخيرة في مرحلة سادسة بمراجعة تقارير اللجان القطاعية وإعادة إرسالها إلي إلى الجامعات مرفقة بنسخة من كل “بطاقة تقييم مسلك” وبنموذج “مطلب إعادة نظر”. وفي مرحلة سابعة تتولى الإدارة العامة للتجديد الجامعي استلام الاعتراضات على قرارات اللجان وإحالة مطالب إعادة النظر إلى اللجان القطاعية التي تقوم هذه اللجان في مرحلة ثامنة بالتقييم النهائي لملفات الترشح وإعادة إرسالها إلي الإدارة العامة للتجديد الجامعي لتقوم هذه الادارة في مرحلة تاسعة باستلام التقارير وملفات التقييم المتعلقة بالمشاريع وإعداد القائمات النهـائية لكل المشاريع التي تم تقييمها من طرف اللجان الوطنية القطاعية وإحالتها إلى رؤساء الجامعات استعدادا للنظر فيها في إطار مجلس الجامعات وإحالة الملف إلى الوزير لدراسته وبرمجة دراسة نتائج حملة التأهيل في جدول أعمال مجلس الجامعات. حيث يقوم مجلس الجامعات في المرحلة العاشرة بالنظر في القائمات النهـائية لكل المشاريع المعروضة للتأهيل الصادرة عن الجامعات والتي تم تقييمها من طرف اللجان الوطنية القطاعية. والمصادقة على النتائج النهائية للتقييم.

المصدر: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

ويكون ذلك قبل إحالة قائمة الشهادات الوطنية للإجازة المؤهلة للسنة الجامعية المعنية إلى الإدارة العامة للشؤون الطالبية التي تقوم بإعداد دليل التوجيه الجامعي. أمّا في المرحلة الحادية عشر فيقع إعلام المؤسسات الجامعية بالنتائج النهائية، ومنها إلى الإدارة العامة للتعليم العالي وخاصة إدارة التعليم العالي الخاص التي تتولى بدورها إعلام مؤسسات التعليم العالي الخاص. وكذلك تتمثل هذه المرحلة إعداد قرارات التأهيل الخاصة بشهادات الماجستير والدكتوراه المؤهلة للسنة الجامعية المعنية.

ثم تتولى الإدارة العامة للتجديد الجامعي بتوثيق عملية التأهيل في المرحلة الثانية عشر، حيث تقوم بتوثيق جميع مراحل التأهيل وتقارير العناصر المتداخلة في عملية التقييم حتى انتهاء مدة تأهيلها والمقدرة حسب دليل الإجراء ات الخاص بتأهيل شهادات نظام “أمد” بخمس سنوات. وفي نهاية عملية التأهيل تأتي المرحلة الثالثة عشر التي تتولى فيها الإدارة العامة للتجديد الجامعي حوصلة سير حملة التأهيل للسنة الجامعية المعنية من خلال المعطيات الإحصائية للشهادات المؤهلة حسب القطاعات والاختصاصات والجامعات والاطلاع على المقترحات الصادرة عن اللجان الوطنية القطاعية والمؤسسات والجامعات لتطوير عملية التأهيل وكذلك تحديد النقائص المرصودة من طرف الفريق المكلف بإدارة حملة التأهيل بالإدارة العامة للتجديد الجامعي مع إصدار التوصيات المقترحة لتطوير حملات التأهيل المقبلة.

خاتمة:

وقد عرضنا هذه الإجراءات ورصدنا أطوارها ومختلف الهياكل المشرفة عليها إعدادا وتقييما، وصولا إلى مرحلة الإقرار بجدواها أو رفضها، لنبيّن صرامة الإجراءات الإداريّة والرّقابيّة التي تتعلّق بإحداث شعبة علميّة أو التّخلي عنها، وهو ما يجعل قرار التخلي عن مسارات تكوينيّة قرارا على غاية من الأهميّة لا للإرباك الذي سيحدثه في دليل التوجيه فحسب، أو أثره على المؤسسات التعليميّة التي ستفقد بعض مساراتها الجامعيّة ممّا سيقلّص من عدد الطلبة الوافدين عليها، وهذا ما صار جليّا في مسارات شعب العلوم الإنسانيّة مثلا، وإن وقع التراجع عن الإجراءات هذه السنة فذلك لا يعني بالتأكيد التخلي عن الفكرة في السنوات القادمة.

الأمر الذي يطرح عدة إشكاليات لعلّ أهمّها التساؤل عن مصير خرّيجي هذه الشعب ومآلهم العلمي والمهني في ظل تواتر الحديث عن أخذ الطاقة التشغيليّة بعين الحسبان في مسار التوجيه الجامعي، هذا إضافة إلى تساؤلنا عن أثر تقليص بعض المسارات التكوينيّة على المكانة العلميّة لبعض المؤسسات الجامعيّة. وفي انتظار أن يكون هناك تقييم شامل لمثل هذه الإجراءات حاولنا تسليط الضوء على أحد المرتكزات الأساسية التي يتمّ من خلالها إحداث المسارات التكوينيّة صلب مؤسسات التعليم العالي التونسيّة.

 

الهوامش

[1] محمد رامي عبد المولى، التوجيه الجَامِعي في تونس: عشرات الاختصاصات حُذِفَت بقرار فوقي، موقع المفكرة القانونية.

[2] دليل الإجراء ات الخاص بتأهيل شهادات نظام “أمد”، الإدارة العامة للتجديد الجامعي، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.