حاوره : د. وسيم حقّي،
مقال نشر في العدد الرابع، ماي 2024 من مجلّة الدّكتور الباحث التّونسي
عبد الرّؤوف مطيراوي دكتور باحث في العلوم الاقتصاديّة والإحصاء، ويعتبر نموذجا لمسيرة الدّكتور الباحث العلميّة والنّضاليّة في تونس. فلئن اشترك الدّكتور المطيراوي في حراك الدّكاترة الباحثين منذ انطلاق شراراته الأولى، فكان عنصرا فاعلا في حراك طلبة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين منذ سنة 2008، وقد انخرط في الحراك النّضالي بالجامعة التّونسيّة بمجرّد إتمامه لمرحلة الدّراسات المعمّقة (ماجستير نظام قديم) وانخراطه في تجربة التّدريس في خطّة مساعد للتّعليم العالي، وليلتحق إثرها بمرحلة الدّكتوراه في اختصاص العلوم الاقتصاديّة والإحصاء. وليحصل على شهادّة الدّكتوراه سنة 2016.
ورغم تجربته العلمّية المميّزة ونشاطه النّضالي المتصاعد سنة بعد سنة، خاصّة في مرحلة الدّكتوراه حينما كان أحد المنسّقين الفاعلين في حراك المساعدين المتعاقدين، ما يزال الوضع الاجتماعي للدكتور عبد الرؤوف المطيراوي معقّدا بسبب تأخر الانتداب والتجائه للعمل في الأعمال الحرّة ليعول أسرته ولتوفير احتياجات أبنائه. وقد لاقت تجربته تفاعلا واسعا على شبكة التواصل الاجتماعي عبر تداول مقطع فيديو له، وهو يعمل بحظيرة بناء رغم ما يمتلكه من كفاءة علميّة متميّزة ومسار مهني محترم كمساعد متعاقد صلب الجامعة التوّنسيّة.
وما يزال رغم كل هذه التحدّيات مواظبا على دعم حراك الدّكاترة الباحثين من أجل تحقيق مطلب الانتداب القار، وقد واكب المطيراوي الحراك الاجتماعي في مرحلة سعت فيها كلّ الفئات الاجتماعيّة والمهنيّة إلى تسوية وضعياتها المهنيّة صلب المؤسّسات العموميّة وفي القطاع الخاص.
- اتّفاق وزاري لفائدة المساعدين المتعاقدين: حبرٌ على ورق:
وكان تحوّل نشاط الدكتور عبد الرّؤوف المطيراوي من النضال الطّلابي إلى نضال مهني مع المساعدين المتعاقدين نقطة تحوّل أساسيّة في آليات النّضال وطبيعة المطالب المطروحة على طاولة التّفاوض. ليحظى هذا الحراك في الفترة المطلبيّة سنة 2012/2013 بتحقيق خطوة استثنائيّة تمثّلت في توقيع محضر جلسة بحضور ممثّلين عن منسقي الحراك بمختلف الجامعات التّونسيّة ومن مختلف ولايات الجمهوريّة، وتضمّن محضر الجلسة موافقة مبدئيّة على تسوية وضعية المئات من المساعدين المتعاقدين من طلبة شهادة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين المباشرين في مؤسّسات التعليم العالي بصفة مساعد متعاقد، وذلك من خلال انتدابهم بوزارة التّربية، مع حفظ حقّهم للتّرشح إلى مناظرة الأساتذة المساعدين للتّعليم العالي.
وبعد مسار مطوّل من جلسات التّفاوض تم توقيع على هذا الاتّفاق الأوّلي بين وزير التّربية السّابق الدّكتور سالم الأبيض، ووزير التّعليم العالي السّابق الدّكتور المنصف بن سالم، وبحضور ممثل عن سلك التعليم الثانوي أثناء توقيع هذا الاتّفاق.
اتّفاق يرى الباحث عبد الرّؤوف مطيراوي أنّه كان واعدا لا لمساهمته في حلّ أزمة التشغيل الهشّ لمئات من طلبة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين المتعاقدين آنذاك صلب وزارة التعليم العالي، وإنّما لحمايته لحقوقهم العلميّة والبحثيّة بعد مسار علميّ شاقّ ومعقّد. ويعقّب الباحث بأنّ طرفي الاتّفاق لم يلتزما بإكمال ما تعّهدا به، خاصّة بعد تأزّم المناخ السّياسي في تونس بعد اغتيال الشّهيد محمد البراهمي وسقوط حكومة حمّادي الجبالي. ويؤكّد أنّ الاتفاق الذي تمّ إمضاؤه كان محلّ إجماع من جميع الأطراف ولم يقع الطّعن فيه من أي جهة، وأنّه قد أجهض بسبب الأزمة السياسية لا لافتقاده المشروعيّة القانونيّة أو لصعوبة تطبيقه. وهو ما جعل حراك المساعدين المتعاقدين يواصلون نضالهم وتشبّثهم بحقّهم المشروع في تسوية وضعيتهم المهنيّة بعد سنين من التّعاقد الهش، ويعتبر أنّ تغيّر الخارطة السياسيّة في تونس لا يجب أن يلغي أو يجهض ما تعهّدت به سلطة الإشراف ووزارة التّربية، لأنّ التّعهّد صادر عن طرفي وزارتين لكّل منهما اعتباره الأخلاقي والعلمي، ولا يستقيم في نظره أن يقع التنكّر إلى مضمون محضر الجلسة.
ويعتبر عبد الرؤوف المطيراوي أنّ الفرصة لا تزال قائمة لإحياء مشروع هذه الاتفاقيّة، ويكون ذلك بإدماج الدّكاترة الباحثين صلب وزارة التربية مع حفظ حقوقهم المهنيّة كحلّ أوّلي يعبّر عن حرص سلطة الإشراف على تثمين هذه الكفاءات العلميّة، لا لامتلاك الدّكاترة الباحثين القدرة المعرفيّة والبيداغوجيّة التي تمكّنهم من مزيد دعم المسار التربوي في تونس فحسب، وإنّما لحماية السلّم الاجتماعي من الانهيار كليّا بسبب عدم إنصاف الآلاف من حملة شهادة الدّكتوراه علميّا ومهنيّا، في مقابل تسوية الكثير من الملفّات المهنيّة الأخرى.
- حراك الدّكاترة الباحثين: معوّقاته وآفاقه
ينحصر تقييم الدّكتور الباحث عبد الرّؤوف المطيراوي لحراك طلبة الدّكتوراه والدّكاترة الباحثين التونسيين في نقاط سلبيّة وأخرى يعتبرها مكتسبات إيجابيّة يجب الحفاظ عليها وتطويرها. أمّا النقاط السلبيّة فيجملها الباحث في تشتت صوت الحراك بسبب غياب رؤية مطلبيّة جامعة تنضوي تحتها كلّ التحرّكات ويدفع الجميع نحو تحقيقها مرحليّا. وحسب رأيه أنّ التسرّع والارتجال كانا عاملين سلبيين في مسار الحراك. خاصّة مع انحصار كلّ مقترحات الحكومات المتعاقبة في وعود لا تنفّد أو في الحلول الظرفية والمؤقتة. ويؤكّد الباحث أنّ الواجب الأخلاقي والوطنيّ تجاه من ضحّى سنوات طويلة في التعلّم والبحث مضحيّا بمساره الاجتماعي يقتضي تجاوبا أكثر فاعليّة وحسما لأزمة التّشغيل في صفوف حملة الدّكتوراه في تونس. ولذا لا يجب أن يغلق باب الاجتهاد لإيجاد حلول دائمة وقارّة.
كما يأسف عبد الرّؤوف المطيراوي لما اعتبره خذلانا من بعض المنسّقين لحراك الدّكاترة الباحثين في بعض المراحل المصيريّة إمّا لغياب النضج الكافي في إدارة مسار التّفاوض أو لتحقيق مصالح فرديّة أو بسبب التوظيف السياسي، فكان ذلك على حساب حقوق المجموعة وأهدافها النّضاليّة. إذ يعتبر الباحث أنّ الإحراج الاجتماعي الذي يعيشه الدّكاترة الباحثون- خاصّة وأنّ معدّل الأعمار لا يقل عن 35 سنة – يقتضي من الفاعلين في مسار البحث العلمي من جهة والجهات النّقابيّة من جهة ثانية إنصاف هذا الحراك الذي استنفذ كلّ السبل النضاليّة ليبلغ حدّ التضحية بالسلامة الجسديّة، على غرار دخول المعتصمين ببهو وزارة التعليم العالي في إضراب جوع وحشي، وهو ما يعبّر عن الوضع النّفسي الذي بلغه نخبة الوطن في مختلف الاختصاصات بعد انهيار السّلم الاجتماعي، وغياب تثمين جدّي لخبراتهم الأكاديميّة والعلميّة.
واقع يقتضي في نظره اتّخاذ قرارات حاسمة وفاعلة تساهم في احتواء الوضع المحتقن في صفوفهم من خلال معاينة نعيش على وقعه إلى اليوم. ذلك أنّ المناظرة التي نعيش على وقعها اليوم لا تمثّل في نظره حلاّ جامعا وحاسما، وإنّما هي محاولة ظرفيّة لاحتواء أزمة كان من الممكن تفاديها، لو تمّ تمرير الاتفاقيّة الخاصّة بالمساعدين المتعاقدين سنة 2013 فحينها كان عدد حاملي شهادة الدكتوراه لا يتجاوز الثلاثة آلاف متخرّج، ولذلك لا يجب أن يقع تكرار نفس الحلول الترقيعيّة كي لا تتفاقم الأزمة أكثر فأكثر، خاصّة مع تزايد عدد الخرّيجين سنة بعد سنة.
ومن أهمّ النقاط الإيجابيّة التي يعتبرها الباحث عاملا إيجابيّا واستثنائيا في هذا المسار النضالي هو تواصل نشاط حراك الدكاترة الباحثين المعطّلين عن العمل رغم كلّ المعوّقات والخذلان الذي صاحبه. ما يعبّر في نظره عن تمسّك نخبة الوطن بفرض حلّ دائم لأزمة التّشغيل في صفوفهم عبر قرارات حاسمة وجذريّة، إضافة إلى توفير غطاء قانونيّ يكفل لهم حقوقهم المعنويّة والمادية.
ومن إيجابيّات الحراك أيضا خروجه من مساره الضيّق والمحدود ليصيح قضيّة رأي عام تمسّ مباشرة بمسار التربية والتعليم في تونس وبمستقبل الأجيال القادمة التي لن تعاد ثقتها في قيمة التعليم ما لم يقع إعادة الاعتبار للسّلم الاجتماعي ولمقياس الكفاءة العلميّة محدّدا أوحد للانتداب.
وتشاء الصّدف أن يختم عبد الرؤوف المطيراوي حواره معنا باستقباله تلميذ بكالوريا كان قد رتّب معه لقاء بعد نهاية حوارنا معه، وكان اللّقاء بطلب من التلميذ للاستفسار عن بعض الإشكاليات. ومن الطّريف أن يجعل زميلنا المطيراوي ملف تشغيل الدّكاترة الباحثين مثالا تطبيقيّا يوضّح به لتلميذ بكالوريا الاقتصاد والتّصرّف الدّرس الخاص بالفرق بين الكتلة النشيطة والكتلة غير النشيطة، ليقوم بعمليّة إحصائيّة أمامنا ويحدّد لهما نسبة الدّكاترة الباحثين المعطّلين عن العمل ونسبة الدّكاترة الباحثين النّشطين عرضيّا والدّكاترة الباحثين المتمتعين بنشاط مهنيّ دائم، وكأنّ لسان حاله يقول : أضعف الإيمان أن نوظّف اختصاصنا في التّعريف بقضيّتنا.